إلى ملايين المغتربين عن الوطن

الى ملايين المغتربين عن الوطن
مهما طالت سنين الغربة بالمغتربين، فإنهم يظلون يعتقدون أن غربتهم عن أوطانهم مؤقتة، ولا بد من العودة إلى مرابع الصبا والشباب يوماً ما للاستمتاع بالحياة، وكأنما أعوام الغربة جملة اعتراضية لا محل لها من الإعراب.
لاشك أنه شعور وطني جميل، لكنه أقرب إلى الكذب على النفس وتعليلها بالآمال الزائفة منه إلى الحقيقة. فكم من المغتربين قضوا نحبهم في بلاد الغربة وهم يرنون للعودة إلى قراهم وبلداتهم القديمة! وكم منهم ظل يؤجل العودة إلى مسقط الرأس حتى غزا الشيب رأسه دون أن يعود في النهاية، ودون أن يستمتع بحياة الاغتراب! وكم منهم قاسى وعانى الأمرّين، وحرم نفسه من ملذات الحياة خارج الوطن كي يوفر الدريهمات التي جمعها كي يتمتع بها بعد العودة إلى دياره، ثم طالت به الغربة، وانقضت السنون، وهو مستمر في تقتيره ومعاناته وانتظاره، على أمل التمتع مستقبلاً في ربوع الوطن، كما لو أنه قادر على تعويض الزمان!
وكم من المغتربين عادوا فعلاً بعد طول غياب، لكن لا ليستمتعوا بما جنوه من أرزاق في ديار الغربة، بل لينتقلوا إلى رحمة ربهم بعد عودتهم إلى بلادهم بقليل، وكأن الموت كان ذلك المستقبل الذي كانوا يرنون إليه! لقد رهنوا القسم الأكبر من حياتهم لمستقبل ربما يأتي، وربما لا يأتي أبداً، وهو الاحتمال الأرجح!
لقد عرفت أناساً كثيرين تركوا بلدانهم، وشدوا الرحال إلى بلاد الغربة لتحسين أحوالهم المعيشية. وكم كنت أتعجب من أولئك الذين كانوا يعيشون عيشة البؤساء لسنوات وسنوات بعيداً عن أوطانهم، رغم يسر الحال نسبياً، وذلك بحجة أن الأموال التي جمعوها في بلدان الاغتراب يجب أن لا تمسها الأيدي لأنها مرصودة للعيش والاستمتاع في الوطن. لقد شاهدت أشخاصاً يعيشون في بيوت معدمة، ولو سألتهم لماذا لا يغيرون أثاث المنزل المهترئ، فأجابوك بأننا مغتربون، وهذا البلد ليس بلدنا، فلماذا نضيّع فيه فلوسنا، وكأنهم سيعيشون أكثر من عمر وأكثر من حياة!
ولا يقتصر الأمر على المغتربين البسطاء، بل يطال أيضاً الأغنياء منهم. فكم أضحكني أحد الأثرياء قبل فترة عندما قال إنه لا يستمتع كثيراً بفيلته الفخمة وحديقته الغنــّاء في بلاد الغربة، رغم أنها قطعة من الجنة، والسبب هو أنه يوفر بهجته واستمتاعه للفيلا والحديقة اللتين سيبنيهما في بلده بعد العودة، على مبدأ أن المــُلك الذي ليس في بلدك لا هو لك ولا لولدك!! وقد عرفت مغترباً أمضى زهرة شبابه في أمريكا اللاتينية، ولما عاد إلى الوطن بنا قصراً منيفاً، لكنه فارق الحياة قبل أن ينتهي تأثيث القصر بيوم!! كم يذكــّرني بعض المغتربين الذين يؤجلون سعادتهم إلى المستقبل، كم يذكــّرونني بسذاجتي أيام الصغر، فذات مرة كنت استمع إلى أغنية كنا نحبها كثيرا أنا وأخوتي في ذلك الوقت، فلما سمعتها في الراديو ذات يوم، قمت على الفور بإطفاء الراديو حتى يأتي أشقائي ويستمعوا معي إليها، ظناً مني أن الأغنية ستبقى تنتظرنا داخل الراديو حتى نفتحه ثانية. ولما عاد أخي أسرعت إلى المذياع كي نسمع الأغنية سوية، فإذا بنشرة أخبار.
إن حال الكثير من المغتربين أشبه بحال ذلك المخلوق الذي وضعوا له على عرنين أنفه شيئاً من دسم الزبدة، فتصور أن رائحة الزبدة تأتي إليه من بعيد أمامه، فأخذ يسعى إلى مصدرها، وهو غير مدرك أنها تفوح من رأس أنفه، فيتوه في تجواله وتفتيشه، لأنه يتقصى عن شيء لا وجود له في العالم الخارجي، بل هو قريب منه. وهكذا حال المغتربين الذين يهرولون باتجاه المستقبل الذي ينتظرهم في أرض الوطن، فيتصورون أن السعادة هي أمامهم وليس حولهم.
كم كان المفكر والمؤرخ البريطاني الشهير توماس كارلايل مصيباً عندما قال: « لا يصح أبداً أن ننشغل بما يقع بعيداً عن نظرنا وعن متناول أيدينا، بل يجب أن نهتم فقط بما هو موجود بين أيدينا بالفعل».
لقد كان السير ويليام أوسلير ينصح طلابه بأن يضغطوا في رؤوسهم على زر يقوم بإغلاق باب المستقبل بإحكام، على اعتبار أن الأيام الآتية لم تولد بعد، فلماذا تشغل نفسك بها وبهمومها. إن المستقبل، حسب رأيه، هو اليوم، فليس هناك غد، وخلاص الإنسان هو الآن، الحاضر، لهذا كان ينصح طلابه بأن يدعوا الله كي يرزقهم خبز يومهم هذا. فخبز اليوم هو الخبز الوحيد الذي بوسعك تناوله.
أما الشاعر الروماني هوراس فكان يقول قبل ثلاثين عاماً قبل الميلاد: «سعيد وحده ذلك الإنسان الذي يحيا يومه ويمكنه القول بثقة: أيها الغد فلتفعل ما يحلو لك، فقد عشت يومي».
إن من أكثر الأشياء مدعاة للرثاء في الطبيعة الإنسانية أننا جميعاً نميل أحياناً للتوقف عن الحياة، ونحلم بامتلاك حديقة ورود سحرية في المستقبل- بدلاً من الاستمتاع بالزهور المتفتحة وراء نوافذنا اليوم. لماذا نكون حمقى هكذا، يتساءل ديل كارنيغي؟ أوليس الحياة في نسيج كل يوم وكل ساعة؟ إن حال بعض المغتربين لأشبه بحال ذلك المتقاعد الذي كان يؤجل الكثير من مشاريعه حتى التقاعد. وعندما يحين التقاعد ينظر إلى حياته، فإذا بها وقد افتقدها تماماً وولت وانتهت.
إن معظم الناس يندمون على ما فاتهم ويقلقون على ما يخبئه لهم المستقبل، وذلك بدلاً من الاهتمام بالحاضر والعيش فيه. ويقول دانتي في هذا السياق:» فكــّر في أن هذا اليوم الذي تحياه لن يأتي مرة أخرى. إن الحياة تنقضي وتمر بسرعة مذهلة. إننا في سباق مع الزمن. إن اليوم ملكنا وهو ملكية غالية جداً. إنها الملكية الوحيدة الأكيدة بالنسبة لنا».
لقد نظم الأديب الهندي الشهير كاليداسا قصيدة يجب على كل المغتربين وضعها على حيطان منازلهم. تقول القصيدة: «تحية للفجر، انظر لهذا اليوم! إنه الحياة، إنه روح الحياة في زمنه القصير. كل الحقائق الخاصة بوجود الإنسان: سعادة التقدم في العمر، مجد الموقف، روعة الجمال. إن الأمس هو مجرد حلم انقضى، والغد هو مجرد رؤيا، لكن إذا عشنا يومنا بصورة جيدة، فسوف نجعل من الأمس رؤيا للسعادة، وكل غد رؤيا مليئة بالأمل. فلتول اليوم اهتمامك إذن، فهكذا تؤدي تحية الفجر».
لمَ لا يسأل المغتربون عن أوطانهم السؤال التالي ويجيبون عليه، لعلهم يغيرون نظرتهم إلى الحياة في الغربة: هل أقوم بتأجيل الحياة في بلاد الاغتراب من أجل الاستمتاع بمستقبل هـُلامي في بلادي، أو من أجل التشوق إلى حديقة زهور سحرية في الأفق البعيد؟
كم أجد نفسي مجبراً على أن أردد مع عمر الخيام في رائعته (رباعيات): لا تشغل البال بماضي الزمان ولا بآتي العيش قبل الأوان، واغنم من الحاضر لذاته فليس في طبع الليالي الأمان.
٭ كاتب واعلامي سوري
[email protected]د. فيصل القاسم
Link :
http://www.alquds.co.uk/?p=243467

بين القلق الطبيعي و القلق النرضي

ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﻠﻖ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻭﺍﻟﻘﻠﻖ ﺍﻟﻤﺮﺿﻲ …

ﺍﻟﻘﻠﻖ ﺷﻌﻮﺭ ﻋﺎﻃﻔﻲ ﺇﻧﺴﺎﻧﻲ ﺃﺳﺎﺳﻲ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻔﺮﺡ ﻭﺍﻟﺤﺰﻥ ﻭﺍﻟﺨﻮﻑ، ﻳﺘﻤﻴﺰ ﻋﻤﻮﻣﺎ ﺑﺈﺣﺴﺎﺱ ﺑﻌﺪﻡ ﺍﻷﻣﻦ، ﻭﻳﺘﻀﻤﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺎﻟﺐ ﻣﺰﻳﺠﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺑﺎﻟﺘﻮﺗﺮ ﻭﺗﻮﻗﻊ ﺍﻟﺨﻄﺮ ﻭﺍﻟﺴﻮﺀ ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻻﺭﺗﻴﺎﺡ ﻭﺍﻟﺨﻮﻑ ﻣﻦ ﺷﻲﺀ ﻏﺎﻣﺾ ﻭﻏﻴﺮ ﻣﺤﺪﺩ .
ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻝ ﺍﻟﺼﺤﺔ ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺍﻟﺪﺍﺭﺝ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻘﻠﻖ، ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﻨﻲ ﺍﻟﻨﺮﻓﺰﺓ ﻭﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﻭﺭﺩﻭﺩ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﺍﻟﻐﺎﺿﺒﺔ .
ﻛﻤﺎ ﻳﻤﻴﺰ ﺍﻟﻘﻠﻖ ﻋﺎﺩﺓ ﻋﻦ ﺍﻟﺨﻮﻑ ﺑﻜﻮﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﻳﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﺧﻄﺮ ﺣﻘﻴﻘﻲ ﻭﻣﻌﺮﻭﻑ ﻭﻣﺤﺪﺩ، ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺨﻮﻑ ﻣﻦ ﺍﻹﺻﺎﺑﺔ ﺑﻌﺪﻭﻯ ﺃﻭ ﺍﻟﺨﻮﻑ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺳﻮﺏ ﻓﻲ ﺍﻻﻣﺘﺤﺎﻥ .
ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻟﻘﻠﻖ ﺩﺍﺋﻤﺎ ﺷﻴﺌﺎ ﺳﻠﺒﻴﺎ، ﺑﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﺎﺩﻳﺎ ﻭﻃﺒﻴﻌﻴﺎ، ﻭﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ﺿﺮﻭﺭﻳﺎ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ . ﻓﻬﻮ ﻳﺰﻭﺩ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺎﻻﺕ ﺍﻟﻌﺎﺩﻳﺔ ﺑﻄﺎﻗﺔ ﻟﻤﻮﺍﺟﻬﺔ ﺍﻟﺘﺤﺪﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﺑﻪ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﻜﻴﻒ ﻣﻌﻬﺎ، ﻭﻳﺠﻌﻠﻪ ﻳﻌﺒﺊ ﺇﻣﻜﺎﻧﺎﺗﻪ ﻭﻳﺒﺬﻝ ﺍﻟﺠﻬﺪ ﻟﻠﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺃﻫﺪﺍﻑ، ﻟﻦ ﻳﺼﻞ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻟﻮﻻ ﻭﺟﻮﺩ ﺣﺪ ﻣﻌﻘﻮﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻠﻖ ﺍﻟﻤﺴﺘﻨﻔﺮ ﻭﺍﻟﻤﺤﺮﻙ .
ﻟﻜﻦ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﺇﺫﺍ ﺯﺍﺩ ﻋﻦ ﺣﺪﻩ ﺍﻧﻘﻠﺐ ﺇﻟﻰ ﺿﺪﻩ . ﻓﺎﻟﻘﻠﻖ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻗﺪ ﻳﺼﺒﺢ ﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ، ﻟﻜﻦ ﺍﻟﺤﺪﻭﺩ ﺍﻟﻔﺎﺭﻗﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﻠﻖ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻭﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻱ ﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ، ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﻠﻖ ﺍﻟﻤﺮﺿﻲ ﺣﺪﻭﺩ ﻏﻴﺮ ﺩﻗﻴﻘﺔ .
ﻭﻧﻌﺘﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻤﻮﻡ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻘﻠﻖ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻃﺒﻴﻌﻴﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺘﺤﻘﻖ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻤﻌﺎﻳﻴﺮ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ :
ـ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺘﺤﻤﻼ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻔﺮﺩ، ﻣﺘﺤﻜﻤﺎ ﻓﻴﻪ،
ـ ﺃﻻ ﻳﺤﺲ ﺑﻪ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺃﻟﻤﺎ ﻧﻔﺴﻴﺎ ﺑﺎﻟﻐﺎ ﺃﻭ ﻣﻌﺎﻧﺎﺓ ﺷﻌﻮﺭﻳﺔ ﻗﺎﺳﻴﺔ،
ـ ﺃﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﺳﻠﺒﻲ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺍﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ‏( ﺍﻷﺳﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻤﻬﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﻼﺋﻘﻴﺔ … ‏)
ـ ﺃﻻ ﺗﻨﺘﺞ ﻋﻨﻪ ﺃﻋﺮﺍﺽ ﺟﺴﺪﻳﺔ ﻣﻦ ﺁﻻﻡ ﺃﻭ ﺍﺿﻄﺮﺍﺑﺎﺕ ﻭﻇﻴﻔﻴﺔ ﺃﻭ ﻏﻴﺮﻫﺎ .
ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻘﻠﻖ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﺎﺷﻬﺎ ﻛﻞ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻨﺎ ﺃﻭ ﺍﻹﺣﺴﺎﺱ ﺍﻟﺬﻱ ﻋﺮﻓﻪ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﻗﻒ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ :
ﺇﻣﺎ ﺧﻮﻑ ﻗﺒﻞ ﺍﺟﺘﻴﺎﺯ ﺍﻣﺘﺤﺎﻥ ﺩﺭﺍﺳﻲ، ﺃﻭ ﺧﻮﻑ ﻋﻠﻰ ﺗﻄﻮﺭ ﻣﺮﺽ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﻮﺍﻟﺪﻳﻦ، ﺃﻭ ﺭﺩ ﻓﻌﻞ ﺑﺎﻟﺘﺮﻗﺐ ﻭﺍﻻﻧﺰﻋﺎﺝ ﺑﻌﺪ ﺣﺎﺩﺛﺔ ﺳﻴﺮ ﺃﻭ ﻛﺎﺭﺛﺔ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ . ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﻠﻖ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﺷﻌﻮﺭ ﺻﺤﻲ ﻭﻣﻔﻴﺪ ﻭﻣﻨﺘﺞ، ﺑﻞ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﺮﻳﺐ ﻭﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﺃﻻ ﻳﺸﻌﺮ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻠﻖ .
ﻭﻳﺼﺒﺢ ﺍﻟﻘﻠﻖ ﻏﻴﺮ ﻋﺎﺩﻱ ﻭﻻ ﻃﺒﻴﻌﻲ ﺃﺳﺎﺳﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺎﻻﺕ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ :
ـ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺮﺗﺒﻄﺎ ﺑﺄﺣﺪﺍﺙ ﻭﺍﻗﻌﻴﺔ، ﻭﻳﺒﺮﺯ ﺩﻭﻥ ﺳﺒﺐ ﺃﻭ ﻣﺒﺮﺭ،
ـ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺼﺒﺢ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﺴﺘﻤﺮﺓ، ﻻ ﺷﻌﻮﺭﺍ ﻣﺆﻗﺘﺎ،
ـ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻔﻘﺪ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺓ ﻋﻠﻰ ﺗﻄﻮﻳﺮ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﻔﺮﺩ، ﻭﻳﺼﺒﺢ ﺑﺪﻻ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺳﺒﺒﺎ ﻓﻲ ﺗﻜﺮﺍﺭ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺴﻠﻮﻛﺎﺕ ﺃﻭ ﺗﺤﺪﻳﺪﻫﺎ ﻭﻟﻴﺲ ﻋﺎﻣﻞ ﺗﻜﻴﻒ ﺇﻳﺠﺎﺑﻲ،
ـ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺷﻞ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻭﻟﻮ ﺟﺰﺋﻴﺎ، ﻭﺍﻟﺘﺸﻮﻳﺶ ﻋﻠﻰ ﺃﺩﺍﺋﻪ،
ـ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺤﺲ ﻣﻌﻪ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺑﺄﻟﻢ ﻧﻔﺴﻲ ﻳﺪﻓﻌﻪ ﺇﻟﻰ ﻃﻠﺐ ﺍﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺓ ﺃﻭ ﺍﻟﻌﻼﺝ،
ـ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺼﺎﺣﺐ ﺃﻋﺮﺍﺿﺎ ﺃﻭ ﺍﺿﻄﺮﺍﺑﺎﺕ ﺃﻭ ﺃﻣﺮﺍﺿﺎ ﻧﻔﺴﻴﺔ ﺃﺧﺮﻯ،
ـ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺆﺩﻱ ـ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻹﺭﻫﺎﻕ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﺒﺒﻪ ﻭﺑﺴﺒﺐ ﺍﺳﺘﻨﻔﺎﺩﻩ ﻟﻠﻄﺎﻗﺔ ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ـ ﺇﻟﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻛﺘﺌﺎﺏ ﺃﻭ ﺣﺎﻻﺕ ﺇﺩﻣﺎﻥ ﺑﻤﺨﺘﻠﻒ ﺃﻧﻮﺍﻋﻬﺎ ‏( ﺍﻷﺩﻭﻳﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺨﻤﺮ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺨﺪﺭﺍﺕ ‏) .
ﻭﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺣﺎﻻﺕ ﺍﻹﺩﻣﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺗﻨﺘﺞ ﻋﻦ ﻗﻠﻖ ﻧﻔﺴﻲ ﻟﻢ ﻳﺘﻢ ﺗﺸﺨﻴﺼﻪ ﻭﻻ ﺍﻟﺘﻌﺮﻑ ﻋﻠﻴﻪ .
ﺇﻧﻪ ﺑﺘﻮﻓﺮ ﻭﺍﺣﺪ ﺃﻭ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺎﻳﻴﺮ ﻳﺼﺒﺢ ﺍﻟﻘﻠﻖ ﻏﻴﺮ ﻃﺒﻴﻌﻲ ﺃﻭ ﻳﺼﺒﺢ ﻣﺮﺿﻴﺎ . ﻓﻠﻨﺄﺧﺬ ﻣﺜﻼ ﺷﻌﻮﺭ ﺍﻟﻄﺎﻟﺐ ﺑﺎﻟﻘﻠﻖ ﻋﻨﺪ ﺍﺟﺘﻴﺎﺯ ﺍﻻﻣﺘﺤﺎﻥ، ﻓﻬﺬﺍ ﻗﻠﻖ ﻃﺒﻴﻌﻲ، ﺳﻴﻜﻮﻥ ﺑﺎﻋﺜﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﻭﺍﻟﺘﺤﺼﻴﻞ ﺍﻟﺠﻴﺪ .
ﺃﻣﺎ ﺇﺫﺍ ﺯﺍﺩﺕ ﺣﺪﺓ ﺍﻟﻘﻠﻖ ﻓﺈﻧﻪ ﻗﺪ ﻳﺸﻮﺵ ﻋﻠﻰ ﺃﺩﺍﺀ ﺍﻟﻄﺎﻟﺐ ﻭﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻩ، ﻭﻗﺪ ﻳﺤﻮﻝ ﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻻﺳﺘﻴﻌﺎﺏ ﺍﻟﺠﻴﺪ ﻭﺍﻟﺘﺤﺼﻴﻞ ﺍﻟﻤﻔﻴﺪ .
ﺇﻥ ﻋﺼﺮﻧﺎ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﻌﺮﻭﻑ ﺑﺎﻧﺘﺸﺎﺭ ﺍﻟﻘﻠﻖ ﻭﺷﻴﻮﻋﻪ ﻓﻴﻪ، ﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﺃﻧﻪ ﻳﺴﻤﻰ ﻋﺼﺮ ﺍﻟﻘﻠﻖ .
ﻓﺎﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻳﺘﻌﺮﺽ ﻟﺘﻐﻴﺮﺍﺕ ﺳﺮﻳﻌﺔ، ﻭﺣﺎﺩﺓ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ، ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ، ﻭﻫﻲ ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺗﻜﻴﻒ ﻣﺴﺘﻤﺮ . ﻭﻳﺘﻌﺮﺽ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺃﻳﻀﺎ ﻷﺯﻣﺎﺕ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﻭﻟﺘﺮﺍﻛﻢ ﺍﻟﺤﺎﺟﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻌﺠﺰ ﻋﻦ ﺍﻻﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﻬﺎ، ﻭﻟﺘﺤﻮﻻﺕ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ .
ﻭﻫﺬﻩ ﻛﻠﻬﺎ ﻇﺮﻭﻑ ﺗﺴﻬﻢ ﻓﻲ ﺯﻳﺎﺩﺓ ﺍﻟﻘﻠﻖ ﻛﻤﺎ ﻭﻧﻮﻋﺎ، ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺻﺒﺢ ﻓﻴﻪ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﻋﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍﻟﻴﻮﻣﻴﺔ .
ﺇﻥ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺑﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻘﻠﻖ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻭﻣﻌﺎﻳﻴﺮ ﺗﺤﻮﻟﻪ ﺇﻟﻰ ﻗﻠﻖ ﻣﺮﺿﻲ، ﺃﻣﺮ ﺫﻭ ﻓﺎﺋﺪﺓ ﻛﺒﻴﺮﺓ . ﻓﻬﻮ ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻣﻄﻤﺌﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ، ﻳﻨﺘﻈﺮ ﻣﺮﻭﺭﻫﺎ ﺑﺴﻼﻡ، ﻭﻳﺪﻓﻌﻪ ﻟﻄﻠﺐ ﺍﻟﻌﻼﺝ ﺍﻟﻤﺘﺨﺼﺺ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻣﺰﻳﺪ ﺗﻔﺼﻴﻞ ﻓﻲ ﺣﻠﻘﺎﺕ ﻣﻘﺒﻠﺔ ﺑﺈﺫﻥ ﺍﻟﻠﻪ .
ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﺍﻷﺻﻠﻲ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﻠﻖ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻭﺍﻟﻘﻠﻖ ﺍﻟﻤﺮﺿﻲ … – ﺍﻟﻮﻻﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﺍﻟﻤﺼﺮﻳﺔ
ﺍﻻﺳﺘﺎﺫ : ﺳﻌﺪ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ
‏( ﻃﺒﻴﺐ ﻣﺨﺘﺺ ﻓﻲ ﺍﻻﻣﺮﺍﺽ ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ‏)
[email protected]
Shared with: Public